«يوم 13 أيار/مايو عام 1981، في يوم الاعتداء على البابا خلال المقابلة العامة مع الشعب في ساحة القدّيس بطرس، تدخلت العناية الإلهيِّة وأنقذتني من الموت بأعجوبة. ذلك هو رب الحياة والموت الواحد، هو بنفسه أطال سنين حياتي، هو عاد ووهبني إياها من جديد» (يوحنَّا بولس الثَّاني: الوصيّة).
خلال المقابلة العامة يوم الأربعاء 13 أيار/مايو عام 1981، كان الأب الأقدس يقف في سيارة البابا التي كانت تجول ساحة القدّيس بطرس للمرة الثانية. وفي الساعة الخامسة وسبع عشرة دقيقة ظهرًا وبينما كانت السيارة تقترب من الأبواب البرونزية أطلق عليه الإرهابي التركي محمد علي أغا ثلاث طلقات من مسافة حوالي 3 أمتار (فشل في إطلاق الطلقة الرابعة لأن مسدسه أصابه عطل ما)، مما أسفر عن إصابة الأب الأقدس في البطن، والكوع الأيمن، وسبابة اليد اليمنى. يروي الأسقف ستانيسلاف جيفيش حادث الاعتداء على البابا كشاهد عيان: «كان الضجيج يصم الآذان. وبطبيعة الحال، أدركت أن شخصا ما كان أطلق النار. ولكن من؟ ورأيت أن الأب الأقدس قد أصيب. تمايل، ولكن لم يكن هناك دماء أو جروح. سألته أين؟ فأجاب في البطن. سألته مرة أخرى: هل هو مؤلم جدا؟ وأجاب نعم. وقفت وراء الأب الأقدس أحاول مساندته حتى لا يسقط. استلقى في السيارة مستندًا عليَّ، حتى وصلنا إلى سيارة الإسعاف بالقرب من مركز طبي داخل أسوار الفاتيكان. أغلق الأب الأقدس عينيه، وكان يتألم بشدة ويكرر صلوات قصيرة. وعلى ما أتذكر، كان يصلي: يا مريم، يا أمي! يا مريم، يا أمي. كان الدكتور بوزونيتي والأخ كميل الممرض معي في سيارة الإسعاف. وانطلقت السيارة بسرعة فائقة. بعد بضع مئات من الأمتار أصيبت صفارة سيارة الإسعاف بعطل ما. قطعنا الطريق في ثماني دقائق التي عادة ما تستغرق على الأقل نصف ساعة في الطرق الإيطالية المزدحمة. على الطريق كان الأب الأقدس يتألم بشدة ويصلي بصوت ضعيف خافت على نحو متناقص. لم يلفظ كلمة واحدة تعبر عن اليأس أو الاستياء، فقط كلمات الصلاة العميقة التي تدفقت من معاناة كبيرة. في وقت لاحق، أخبرني الأب الأقدس أنه كان واعيًا حتى وصوله إلى المستشفى، وهناك فقط فقد الوعي. كان يسود المركز الطبي – وليس هذا من المستغرب – حالة من الذعر. تم نقل البابا الجريح إلى غرفة كانت مخصصة للحالات الخاصة في الطابق العاشر، وبعد الكشف عليه نقل الأب الأقدس على الفور إلى صالة العمليات».
ويروي البابا يوحنَّا بولس الثَّاني الحادثة: «نعم، أتذكر الطريق إلى المستشفى. بقيت واعيًا لبعض الوقت. كنت أشعر بأنني على قيد الحياة. قلت للأب ستانيسلاف أنني أغفر للمعتدي. لكني لا أتذكر ما حدث في المستشفى». عندما تم نقل الأب الأقدس إلى المستشفى، كان كل شيء جاهزًا لإجراء العملية الجراحية، لكن أيضًا كان لا بد من إعداده لهذه العملية. استمر كل هذا دقائق معدودة وهو بين الحياة والموت. وعندما تم نقله من الطابق العاشر إلى صالة العمليات في الطابق التاسع، ثم أرسلت نداءات عاجلة لبروفيسور الجراحة كروتشيتي، الذي تمكن بأعجوبة من الوصول في الوقت المناسب إلى مستشفى جيميلي.
يسترسل الأسقف جيفيش الكلام: «كان للجراح فرانتشيسكو كروتشيتي دورًا مهمًا. وقد أخبرني لاحقا أنه أنهى عمله وكان في منزله، ولكن شيئا ما دفع به إلى الذهاب إلى المركز الطبي. في الطريق سمع في الراديو عن محاولة اغتيال الأب الأقدس. على الفور قام بإجراء العملية، وساعده البروفيسور ماني طبيب الإنعاش، والدكتور مانزوني طبيب القلب، والدكتور بريدا طبيب الأمراض الباطنية وطبيب آخر من الفاتيكان. دهنت الأب الأقدس بزيت مسحة المرضى مباشرة قبل العملية التي بدأت الساعة السادسة مساء. كانت صالة العمليات مزدحمة، وكان الوضع خطيرًا للغاية». في وقت التحضير للعملية، تبين أن حالة البابا سيئة جدًا. نزف الأب الأقدس ثلاثة أرباع دمه ووصل ضغط الدم إلى حالة مقلقة وكان النبض غير محسوس. في هذه الحالة قد تحدث الوفاة في أي وقت بسبب النزيف. ذكر الأسقف جيفيش أن «عملية نقل الدم لتعويض ما فقده لم تنجح. بيد أنهم، في المركز الطبي، وجدوا أطباء لهم نفس فصيلة دم البابا، وتبرعوا به لإنقاذ الأب الأقدس دون تردد». عندما تأكدوا أثناء العملية أن أيًا من الأعضاء الحيوية لم يصب بأذى، بدأ الأمل يعود تدريجيًا في صالة العمليات. كانت العملية معقدة للغاية واستمرت خمس ساعات وعشرين دقيقة. كان من الضروري تنظيف تجويف البطن، وتعويض الدم المفقود، وخياطات في أماكن عديدة، هذا بالإضافة إلى إزالة 55 سنتيمتر من الأمعاء.
البروفيسور كروتشيتي، الذي تمكن بأعجوبة من الوصول في الوقت المناسب إلى مستشفى جيميلي، تذكر تلك اللحظات الدرامية قائلاً: «عندما وصلت إلى الطابق التاسع دعتني إحدى الراهبات أن: أسرع! تعجل! وانقض علي المساعدون والممرضات – بالمعنى الحرفي – حتى يخلعوا عني السترة والسروال، وألبسوني لباس العمليات، مبعثرين كل شيء كان في جيوبي في جميع الأنحاء: مفاتيحي ونقودي ومحفظة نقودي. عندما ركضت لغسل يديّ ألبسني أحدهم المريلة الخاصة بالعمليات، والآخر ألبسني حذاء العمليات، وفي الوقت نفسه، أخبرني طبيب آخر من صالة العمليات: “أن الضغط يهبط 80.. 70”. عندما دخلت صالة العمليات، بدأ مفعول المخدر العمل بالفعل، كان الأب الأقدس نائمًا والمشرط في يدي. قام فريق الطوارئ بجميع الإجراءات اللازمة وكانت لدي فكرة واحدة فقط: افتح، افتح دون أن تفقد ثانية واحدة. فتحت ورأيت دمًا، الكثير والكثير من الدم. ربما كان ثلاثة لترات في تجويف البطن. تم شفطها وتجفيفها بكل الطرق المتاحة، حتى وصلنا إلى مصدر النزيف. حينها، استطعت السيطرة على النزيف. وبعدما توقف النزيف، بدأنا في نقل الدم، بدأ ضغط الدم في الارتفاع. عندها استطعنا، بهدوء، استكمال العملية. كشفت على تجويف البطن ورأيت عددًا من الجروح. كانت عبارة عن إصابات في الأمعاء الدقيقة والقولون. كانت نتيجة الاعتداء مباشرة: قطع أو ثقب متهتك تسبب فيه العيار الناري لحق مساريق الأمعاء الدقيقة، وهي الغشاء البريتوني الذي تخرج منه الأوعية الدموية التي تؤدي إلى الأمعاء الدقيقة، كانت الأضرار في أماكن عديدة. استأصلت بعض الأمعاء الدقيقة وعملت التحويلات اللازمة، وغسلت الغشاء البريتوني، وأتممت خياطة القولون السيني. في الجزء الأخير من القولون كان هناك جرحًا رهيبًا ناجمًا من العيار الناري مباشرة. بعد إيقاف النزيف، كشفت على القلب والأوعية الدموية، حتى ندرك مدى خطورة الجرح، وأعتقد أن الوضع كان يتطلب مني – قبل كل شيء – الهدوء التام. كنت مدركًا تمامًا لصعوبة مهمتي، لكني كنت على اقتناع أن النتيجة ستكون إيجابية. فالأعضاء الحيوية المهمة لحياة الإنسان، كالشريان الأورطي والشريان الحرقفي والحالب، لم تتأثر بالعيار الناري. مرت الرصاصة من خلال العَجُز (عظم في قاعدة العمود الفقري في الجزء الخلفي العلوي من الحوض) بعد اختراق جدار البطن الأمامي. تسبب نزيف الجهاز الوريدي الغزير بالكثير من المتاعب، فلوقف هذا النزيف كان علينا أن نستخدم شرائح الشمع المعقم. لكن الرصاصة كانت قد تجاوزت الأجهزة الحيوية المهمة بمسافات صغيرة جدًا، وأي إصابة في هذه الأجهزة كانت من الممكن أن تؤدي إلى الموت، وبدا أن المراكز العصبية المجاورة لم تتأثر. كان هذا مدهشًا تمامًا. ولأن المريض كان تحت التخدير، لم نتمكن من معرفة ما إذا كان الجهاز العصبي سليمًا، لكننا تأكدنا بعد ذلك عندما بدأ يتحرك».
ويذكر الأسقف جيفيش: «بعد العملية، تم نقل الأب الأقدس إلى غرفة الإنعاش. كان الأطباء يخشون عليه من العدوى أو المضاعفات الأخرى. كانت الأيام الثلاثة التالية للعملية رهيبة. عانى فيها الأب الأقدس بشكل كبير. كانت الجروح والخياطات في جميع أنحاء جسمه. ومع ذلك، كانت فترة النقاهة سريعة. وبقي في غرفة الإنعاش حتى 18 أيار/مايو».
بعد العملية قال البروفيسور كروتشيتي للصحفيين أن الرصاصة عيار 9 ميليمتر، اخترقت بطن الأب الأقدس، واتخذت مسارًا لا يصدق. ففي العادة تتجه الرصاصة في خط مستقيم مباشرة، لكن في هذه الحالة تجاوزت الأجهزة الحيوية المهمة لحياة الإنسان، وكأن يدًا خفية قامت بهذا. كانت على بعد بضعة ملليمترات من الشريان الرئيسي وأي إصابة به تهدد بالموت الفوري. تجاوزت الحبل الشوكي والحالب والشريان الحرقفي والأعضاء الحيوية الأخرى المهمة للحياة. أصبح من الواضح للبروفيسور كروتشيتي ومساعديه من الأطباء أن هذا هو الأمر الذي لا يمكن تفسيره بطريقة طبيعية، وأنه كان في الواقع معجزة. وعلق الأب الأقدس نفسه على هذه الحقيقة في الكلمات التالية: «لقد كانت معجزة حقيقية، وأنا أعرف لمن أنا مدين. يد كانت تحمل المسدس، والأخرى وجّهت مسار الرصاصة». قاتل محترف أطلق الرصاص من مسافة حوالي 3 أمتار مستهدفًا الرأس والقلب والمعدة. صوب بدقة وكان متأكدًا أنه قتل الأب الأقدس.
يقول الأسقف جيفيش: «إن الأب الأقدس قد رأى في كل ما حدث علامة من السماء، أما نحن جميعًا – حتى الأطباء – رأينا معجزة. على ما يبدو كانت هناك يدًا خفية تحكمت في كل شيء. في اليوم التالي بعد العملية تلقى الأب الأقدس القربان المقدّس، وبعدها بيوم احتفل معنا مستلقيًا في سريره. لم يترك الأب الأقدس كتاب الصلوات اليومية. أتذكر اليوم التالي بعد محاولة اغتياله، كان سؤاله الأول بعد استعادة وعيه: “هل صليتما صلاة السِتار”؟ كنا في كل مساء نصلي القدّاس الإلهي، ثم ابتهالات إلى العذراء مريم والدة الإله. وكان الأب الأقدس يرتل مع الممرضات. كانت أعظم رغبة للموظفين أن يكونوا في حضرة قداسته.
يوم 23 أيار/مايو وقع الأطباء رسالة تفيد أن حياة المريض في مأمن من الخطر».
المحرر
المصادر:
A Frossard: Nie lękajcie się, Watykan 1982;
T. Styczeń SDS, abp S. Dziwisz: Modlitwa Getsemani wciąż trwa, Lublin 2003