spot_img

أَحَبَّهُمْ إِلَى الْمُنْتَهَى

ترك لنا الرَّبّ يسوع صورة مروعة لآلامه وموته، في صورة جسده المتألم الظاهرة على قطعة القماش التي لُف بها ليوضع في القبر، بعد إنزاله من على خشبة الصليب. ويعتقد خبراء الطب الشرعي أن جسد يسوع لم يمكث في القبر أكثر من 36 ساعة، ذلك، لأنهم لم يجدوا أي آثار لتعفن الجسد على قماش الكفن.
كفن يسوع المسيح المقدس المحفوظ في مدينة تورينو الإيطالية هو شهادة بليغة للمعاناة، التي لا يمكن تصورها، التي ذاقها يسوع في آلامه وموته على الصليب. هكذا عانى الإله الحقيقي، الذي صار إنسانا ليفدينا، ويحررنا من عبودية الخطيئة والموت. إن مسئولية آلام وموت المُخلِّص تقع على الناس جميعاً. كل منا بخطاياه جرح يسوع وتسبب في موته على الصليب. فصارت معاناة ابن الله الهائلة مصدر خلاصنا، ولذلك، عندما يقدم الإنسان آلامه أمام يسوع، فإنها تصير وسيلة للخلاص ومصدر للنعمة، لا تدمر، لكن تكرسها وتساهم في خلاص الآخرين.
صورة السيد المسيح المتألم على الكفن تظهر لنا مدى محبة الله للإنسان. في الواقع أحَبَّنا إلى المُنتَهى (كما توضح الآية يو 13: 1).
على الكفن، يمكن رؤية جسد يسوع في حالة التخشب الموتي. ويلامس ذقنه صدره، لذلك، فمن الصعب رؤية الرقبة. وقد تعرض لتعذيب رهيب بالجلد والتتويج بإكليل من الشوك. توجد في جميع أنحاء جسده حوالي 600 إصابة وجروح مختلفة. يريد منا الرَّبّ يسوع أن نعرف حبه أكثر من خلال التأمل في آلامه: «تأملي دائما في الآلام التي عانيتها من أجلك. (…) تستحوذين أكثر على إعجابي، عندما تتأملين في آلامي» (يوميّات القدّيسة فوستينا 1512).
وجه يسوع
صورة وجه المصلوب على الكفن تخلُب الألباب بجمالها وعمق سرها الإلهي، على الرغم من الإصابات العديدة، وتورم في
صورة وجه يسوع كما تبدو على كفن تورينو
عظمة الوَجْنَة، وتورم في الخد الأيمن، وكسر في الحاجز الأنفي من ضرب العصا. يمكن رؤية جلطات الدم بين الشعر، الناتجة عن جروح في الجلد. على الجبهة، تظهر جلطة كبيرة على شكل رقم (3)، الشارب واللحية غارقان في الدم. هناك آثار لنتف شعر وتهتك فروة الرأس. يخبرنا الإنجيل: «وَكَانُوا يَضْرِبُونَهُ عَلَى رَأْسِهِ بِقَصَبَةٍ، وَيَبْصُقُونَ عَلَيْهِ» (مر 15: 19)، «وَكَانُوا يَلْطِمُونَهُ» (يو 19: 3). بهذه الطريقة، كان اليهود يتعاملون مع المجدفين، وقد حكم على يسوع بالموت بتهمة التجديف، لأنه اعتبر نفسه إلهاً. وبالرغم من كل هذه المعاناة الجسدية والروحية إلا أن وجه يسوع كان يشع بالسلام الإلهي. يدل هذا على أن يسوع كان إلهاً وأنه تحمل كل هذه الآلام لثقته في الانتصار النهائي، وهو الانتصار على الألم والموت.
التتويج بإكليل من الشوك
«وَضَفَرَ الْعَسْكَرُ إِكْلِيلاً مِنْ شَوْكٍ وَوَضَعُوهُ عَلَى رَأْسِهِ» (يو 19: 2). هذا النوع من التعذيب تم اختراعه فقط لأجل يسوع. لم يذكر في أي مصدر تاريخي، استخدام هذا النوع من التعذيب قبل الصلب. تظهر على الكفن بقع الدماء العديدة التي سالت على الجمجمة. تصنع هذه البقع صورة فوتوغرافية موجبة (بوسيتيف) على القماش. وسبب بقع الدماء هذه يرجع إلى خرق الأوعية الدموية في الرأس بالشوك الذي صنع به الإكليل. وكان تاج الشوك هذا على شكل طاقية كاملة من الشوك المدبب، غطت كل الرأس. أحصى الجراحون 13 جرح على الجبهة و20 في الجزء الخلفي بسبب الشوك المدبب، وقد يصل عددهم إلى 50 جرحا. ولأن على جلد الرأس يوجد الكثير من الأعصاب والأوعية الدموية، فإن إكليل الشوك أحدث آلامًا مبرحة ونزيفا حادا. «إذا كنا أخذنا في الاعتبار أن على كل سنتيمتر مربع واحد على فروة الرأس يوجد أكثر من 140 نقطة حساسة للألم،
الصورة الخلفية لجسد المسي ح كما بدت منعكسة على كفن تورينو
فيمكننا أن تتخيل فرط آلام السيد المسيح أثناء عملية التتويج المأساوية». هكذا كتب ل. كوبيني، مدير معهد التشريح في جامعة بولونيا (Bologna). وقد أثبتت الأبحاث التوافق بين أماكن تدفق الدم وخريطة الشرايين والأوردة الموجودة في الرأس. هذا أيضاً مزيد من الأدلة تؤخذ لصالح أصالة الكفن، ذلك لأن وصف جهاز الدورة الدموية وشرحه تم في عام 1593 فقط.
الجَلد
تعرض يسوع للجلد بطريقة قاسية. يمكن رؤية جروح في جميع أنحاء الجسد سببها ضربات السوط الروماني، وعلى الأرداف أيضا، هذا يعني أنه كان يُجلد عارياً. كان هذا عقاباً رهيباً، يؤدي في بعض الأحيان إلى الموت. فالسوط الروماني يتكون من 3 سيور جلدية وكل سير ينتهي بقطعة من المعدن تنهش جسد المجلود. تم حصر 120 ضربة سوط على أنحاء كل الجسد. في العادة، كانت عقوبة الجلد تتم على من لم يحكم عليهم بالإعدام، وبعد قضاء العقوبة، يفرج عنهم أحرار. في البداية، كان بيلاطس يريد فقط أن يجلد يسوع، «فَأَنَا أُؤَدِّبُهُ وَأُطْلِقُهُ» (لو 23: 16). وهذا يفسر العدد الكبير من الضرب بالسوط والقسوة غير العادية التي أظهرها الجنود ليسوع. فقد اعتبروا أن جلده هي عقوبته في حد ذاتها. كانوا اثنين، واحد على الجانب الأيمن، كان أطول ويضرب بلذة سادية واضحة. وكان يسوع يقف بانحناءة قليلة ويداه مكبلتان إلى عمود. السيور الجلدية للسوط كانت تلف حول جسده وجرحت الجزء الأمامي من البطن والقفص الصدري والساقين والفخذين.
طريق الصليب
يعتقد الباحثون – اعتمادا على قراءة علامات الجروح الظاهرة على الكفن (على الكتف الأيمن والأيسر) – أن يسوع حمل إلى مكان الصلب الخشبة الأفقية للصليب، وكانت يداه مقيدتين عليها. ومن المفترض أن تزن الخشبة الأفقية للصليب حوالي 30 كجم، وكان طولها 1.80 م. سار يسوع، بعد أن تم جلده، وهو منهك للغاية وبصعوبة كبيرة إلى المكان الذي صلب فيه. كان عليه أن يمشي طريق طوله حوالي 500 متر. وعندما سقط، سقط على وجهه، فوقع بعنف على أرض صخرية على ركبتيه. ووجد الباحثون جروح كبيرة ناجمة عن السقوط على الوجه والأنف (وجدوا على أرْنَبة الأنف دم مختلط بتراب وجزيئات حجرية)، وعلى الركبتين خصوصا اليمنى. ولأن يسوع لم يستطع أن يحمل وحده الصليب، فقد أمر قائد المئة رجل اسمه سمعان القيرواني لأن يحمل الصليب خلف يسوع (لو 23: 26).

الصلب
في زمن المسيح كان الصلب أقسى وأشد طرق التعذيب إهانة. يظهر على الكفن أثر جرح سببه اختراق مسمار لعظام المعصم. ويمكن أن نستنتج من آثار الأقدام، أنها سمرت بمسمار واحد على خشبة الصليب العمودية. فاخترق مسمار عظام كعب القدم. وقد تم وضع القدم اليسرى فوق اليمنى.
اليدان، كان هو واضح، تتشابكان فوق البطن. على معصم اليد اليسرى هناك جلطة كبيرة من الدم على شكل حرف (U) تدفقت هذه الدماء من الجرح الذي سببه اختراق مسمار لعظام المعصم. تم دقّ المسامير في اليدين على المعصم، وليس في راحة الكف، ذلك لأن عظام المعصم تستطيع أن تحتمل ثقل وزن الجسم. دقّت المسامير في الفجوة التي تقع بين عظام الرسغ والتي تعرف طبيًا باسم «فراغ ديستوت». في هذه المنطقة لا يوجد عدد كبير من الأوعية الدموية الرئيسية، ولكن يمر بها عصب مهم معروف باسم العصب الأوسط وهو المسؤول عن حركة الإبهام. اختراق «فراغ ديستوت» قد يؤذي هذا العصب فيسبب التواء الإبهام نحو راحة اليد، وهذا يفسر ظهور آثار أربعة أصابع فقط على الكفن.
انسكبت قليل من الدماء من المعصمين المثقوبين عموديا بموازاة الكتف. وخلال فترات العذاب الطويلة على الصليب، كان على يسوع أن يرتفع إلى أعلى على يديه المسمرتين، حتى يمكنه التنفس. كان على يسوع، وهو معلق على الصليب، أن يرتفع إلى أعلى ليستنشق الهواء من وقت لآخر. ويجبره الألم والإرهاق على الهبوط مرة أخرى لأسفل. تكرار الارتفاع والهبوط على اليدين والساقين المسمرتين على الصليب استمر ما يقرب من ثلاث ساعات وسبب له معاناة رهيبة. مع مرور الوقت، أصبح الأمر أكثر وأكثر صعوبة، حتى أُنهِك تماماً ومات.
موت عضلة القلب
تحليل الجرح الذي يبلغ طوله 4.5 سم عرضه 1.5 سم على الجانب الأيمن، أيضا، الدم الغزير المتراكم في الغشاء البلوري
الدم النازف من قدمَيْ يسوع المثقوبة
يشيران إلى أن السبب المباشر لموت يسوع كان تمزق عضلة القلب بسبب احتشاء عضلة القلب، أي جلطة قلبية، وأعقب ذلك دخول الدم إلى جوف التأمور (يمكن جمع ما يصل إلى 2 ليتر من السوائل في جوف التأمور) ومن ثم إلى الغشاء البلوري، مما تسبب في تدمي التأمور. تَمزُق التأمور تحت الضغط القوي للدم المتراكم يسبب آلام حادة في منتصف الصدر. أدى ذلك إلى صرخة يسوع المفاجئة، ومات بعدها: «فَصَرَخَ يَسُوعُ أَيْضاً بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، وَأَسْلَمَ الرُّوحَ» (مت 27: 50). الموت العنيف الذي حدث في حالة من الوعي الكامل، مع الإرهاق الشديد، عادة ما يسبب حالة التخشب الموتي. وهذا يفسر حالة الجسم المتخشبة على الكفن.
طعن قلب المُخلِّص
بعد فترة وجيزة بعد الموت، تجمعت خلايا الدم الحمراء في الجزء السفلي لغشاء التأمور، وتجمعت البلازما الشفافة في الجزء السفلي العلوي من الغشاء. وبعد طعن جنبه بالحربة، تدفقت سريعاً خلايا الدم الحمراء تم تبعتها البلازما الشفافة، فكان كما كتب القديس يوحنا في إنجيله: «وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ» (يو 19: 34).
قلب المُخلِّص المطعون علامة على مدى محبة الله لنا. صار إنساناً حقيقياً وبطواعية «تجرد من ذاته»، ومات على مثال البشر
دم يسوع النازف من جرح الجنب المطعون
حاملا خطاياهم. بريء كلياً، وكإله وإنسان في وقت واحد لم يعرف الخطيئة، لكنه اختبر بآلامه وموته على الصليب المعاناة الرهيبة للخطيئة: «أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَاباً مَضْرُوباً مِنَ اللَّهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا» (إش 53: 4-5).
في هذه التجربة والمعاناة الرهيبة من الخطيئة والموت، كان يسوع مطيعا للآب تماما. وبسبب هذه الطاعة المثالية تغلب على الخطيئة والموت. وصلت آلام يسوع ذروتها وقت احتضاره على الصليب، حينها صرخ المُخلِّص قائلا: «إِلَهِي،إِلَهِي،لِمَاذَا تَرَكْتَنِي؟» (مت 27: 46). بآلامه، يصل يسوع أينما تعمل قوة الخطيئة المدمرة، ويتغلب عليها بقوة محبة الابن اللامتناهية وطاعة الآب. بمحبته الكاملة وطاعته للآب تغلب يسوع بموته وقيامته على الموت والخطيئة.
يقدم المسيح إلى كل إنسان شركة في هذا الانتصار. للحصول على معجزة مغفرة كل الخطايا، يجب على الإنسان أن يقر بموافقته، أن يثق ويفتح قلبه لرحمة الله اللامتناهية. تعال إلى كرسي الاعتراف واعترف بخطاياك بصدق. يدعونا يسوع، من خلال صورة جسده المعذب على الكفن، لاتخاذ قراراً قوياً للتحرر من كل خطيئة في سر التوبة، والمثابرة دائما في نعمة القداسة. مع المسيح، ليس في حياة الإنسان حالة ميئوس منها. إذا وقعنا في الخطيئة، يقوينا يسوع لنقوم مرة أخرى ونتحرر من الخطيئة. ما عليك سوى أن تسلم نفسك للمسيح بثقة تامة.
كتبت القدّيسة فوستينا، تقول: «يا يسوع، كم هو سهل أن نتقدس، نحتاج فقط إلى القليل من النوايا الطيبة. إذا رأى يسوع في النفس هذا القليل من الخير فإنه يتعجل إلى النفس، ولا شيء يمكن أن يمنعه أي خطأ أو سقوط، لا شيء على الإطلاق. يسوع حريص على معاونة هذه النفس، وإذا كانت هذه النفس وفية لنعمة الله، ففي وقت قصير جدا يمكن لها أن تصل إلى أعلى درجات القداسة التي يمكن أن يحصل عليها مخلوق على وجه الأرض. الله سخي جدا في عطاياه ولا ينكر نعمته على أي إنسان، يعطينا أكثر مما نطلب منه» (يوميّات القدّيسة فوستينا 291).
الأب ميتشيسواف بيوتروفسكي (رهبنة المسيح)

Wybrane dla Ciebie

spot_img

Święty ojciec Szarbel Machluf został patronem fundacji na mocy dekretu opata zakonu oraz przeora Sanktuarium św. Szarbela (klasztor św. Marona w Annai) z dnia 28 maja 2019 r.

spot_img
- Komunikaty -spot_img
- Zamów online przez nasz formularz - spot_img
- Modlimy się za Ciebie! -spot_img
- Wesprzyj nas -spot_img

Wiadomości