في شركة القديسين، سيظل أباً وصديقاً للشباب (البابا فرنسيس)
مدينة كراكوف البولندية، واحدة من أكبر المدن البولندية، وثاني مدينة بعد وارسو العاصمة. مسقط رأس القدّيس يوحنا بولس الثاني. منها انطلق عام 1978 لمجمع الكرادلة المغلق بالفاتيكان، ليشارك في انتخابات رأس الكنيسة الكاثوليكية، التي أدت إلى انتخابه حبراً أعظمَ للكنيسة الكاثوليكية، وإليها اشتاقت نفسه وعاوده حنين الذكريات. أشار إلى علاقته الفريدة بها في 6 حزيران/يونيو1979 قائلا: «صدقوني، ليس من السهل الرحيل عن كراكوف. هنا، على هذه الأرض ولدت. هنا في كراكوف، قضيت معظم حياتي، بداية من التحاقي بجامعة يجيلونيان في عام 1938. هنا، أيضا، شهدت نعمة الدعوة الكهنوتية، في فترة صعبة من حياة الوطن، خلال الاحتلال الألماني، عندما كنت أشتغل عاملاً في المحاجر وفي مصنع للكيماويات… هكذا اقتادني الرَّب. هنا، أيضا، في كاتدرائية «فافل» تمت رسامتي أسقفاً، وتسلمت إرث أساقفة كراكوف العظيم في كانون الثاني/يناير عام 1964. منذ سنوات حداثتي، بل من أيام الطفولة، كانت كراكوف بالنسبة لي توليفة خاصة من كل ما هو بولندي وما هو مسيحي. دائماً ما تحدثني عن ماضي وطني العظيم، ودائماً ما تمثل حاضره. كراكوف القديمة التي أتذكرها منذ أيام الشباب والدراسة، حتى عندما كانت محتلة – وكراكوف الجديدة التي كبرت مساحتها ثلاث أضعاف، وربما أكثر… كراكوف التي عايشت مشاكلها كاهنا، وأستاذاً، وأسقفاً ثم كاردينالاً».
كراكوف مدينة قداسة البابا
وُلدَ كارول يوسف فويتيوا (الّذي أصبح فيما بعد البابا يوحنّا بولس الثاني) في 18 أيار/مايو عام 1920 في بلدة فادوفيتسي الصغيرة، الواقعة بالقرب من مدينة كراكوف بجنوب بولندا. نال الطفل كارول سرَّ المعموديّة في 20 حزيران/يونيو عام 1920 في كنيسة فادوفيتسي، حيث منح أيضاً المناولة الأولى في سن التاسعة، ونال سرّ الميرون المقدّس عند بلوغه الثامنة عشرة.
انتقل كارول إلى كراكوف بعد تخرّجه من المدرسة في فادوفيتسي عام 1938. هناك، التحق بجامعة ياجيلونيان ومدرسة التمثيل. وفي عام 1939 اندلعت الحرب العالمية الثانية، فأغلقت قوات الاحتلال النازي أبواب الجامعة، وفرضت على جميع الذكور القادرين على العمل، العمل القسري. فما كان على الشاب كارول إِلاَّ أن يعمل في محاجر الحجر الجيري، ثم في مصنع للكيماويات، ليكسب قوت عيشه وأيضا ليتجنب ترحيله إلى ألمانيا. شعر بدعوته الكهنوتيّة عام 1942، فالتحق بمدرسة سريّة لدراسة اللاهوت. وفي الوقت نفسه، كان يمارس سراً نشاطه الفنّي المسرحي، ودراسة اللغات المختلفة وفقهها. سيم كاهناً بعد الحرب العالمية الثاني في تشرين الثاني/نوفمبر عام 1946، وواصل دراسته في روما حتى حصل على درجة الدكتوراه في اللاهوت عام 1948.
يوحنا بولس الثاني المحب والمحبوب
بعد عودته إلى بولندا، شغل الكاهن الشاب كارول فويتيوا عدة مناصب في رعايا مختلفة في كراكوف. وبروح الشباب والهمة التي لا تتعب ولا تكِل، أبدى القدّيس يوحنا بولس الثاني اهتماماً خاصاً بالشباب. كانت لشخصيته الجذابة التي جمعت بين المحافظة والحداثة وقدرته على التحدث مع الشباب تأثير كبير لجذب الشباب حوله. كان مرشدًا روحياً للطلبة الجامعيين، شاركهم في ممارسة الرياضة، والتعليم المسيحي، والحوارات والمناقشات الفلسفية. وكان ينظم رحلات خارج المدينة متعللا: «الفكرة، أن نكون قادرين على التحدث عن أي شيء، عن الأفلام والكتب والعمل وحول البحوث العلمية وعن فرق موسيقى الجاز بطريقة مناسبة». كرس الكاهن الشاب الكثير من وقته للشباب، حتى عندما تم اختياره من قبل البابا بيوس الثاني عشر في 4 تمّوز/يوليو عام 1958 أسقفاً مساعداً في كراكوف، كان يقضي عطلته مع الطلاب في رحلة تجديف.
لقد وعى القدّيس يوحنا بولس الثاني بدور الشباب ومكانته المركزية والجوهرية في الكنيسة والمجتمع. فبعد انتخابه على رأس الكنيسة الكاثوليكية سارع إلى تشجيع الاتصال المباشر معهم، ذهب إليهم، تكلّم إليهم، سمعهم وحاورهم، اعتبرهم الأمل والرجاء، حدثهم قائلاً: «أنتم مستقبل العالم. أنتم أمل الكنيسة. أنتم أملي». توجه إليهم برغبته بإطلاق اللقاءات العالمية للشبيبة، وفي بازيليك القديس بطرس في ختام يوبيل سنة الفداء وتحديداً في 22 نيسان/أبريل عام 1984، أوكل إليهم صليباً خشبياً يبلغ ارتفاعه أربعة أمتار، ليصبح لاحقاً «صليب الأيام العالمية للشبيبة»، وأوصاهم بحمل هذا الصليب في كل بقاع العالم كعلامة لمحبة المسيح للبشرية، قائلاً: «أعلِنوا للجميع أنه فقط بموت المسيح وقيامته يمكننا أن نجد الخلاص والفداء».
كانت مبادرة الأيام العالمية للشبيبة من بين المبادرات التي طبعت حبرية القدّيس يوحنا بولس الثاني. فقد اتسمت تلك الخطوة بأهمية بالغة، فسرعان ما لبى الكثير من الشباب دعوته وتجمع حول قداسة البابا الملايين من الشبان والشابات من جميع أنحاء العالم، يتقربون من صديقهم الشيخ أكثر فأكثر، فأحبوه لجرأته وإقدامه على العمل والتضحية والحيوية والحماس في كل ما يقوم به، ورافقوه في سفراته ولقبوه «بابا الشباب». قام القدّيس يوحنا بولس الثاني خلال حبريته بزيارة 119 دولة في العالم، واجتذب حشوداً كبيرة من الشباب، وقيل أن بعض هذه الحشود تعتبر من أكبر التجمعات البشرية في التاريخ، كما حدث في القدّاس الختامي للأيام العالمية للشبيبة في مانيلا بالفلبين عام 1995، هذا القدّاس حضره خمسة ملايين نسمة. كان أول بابا للفاتيكان يزور لبنان عام 1997، وأول بابا يزور أرض مصر عام 2000، كما كان أول بابا يزور سوريا عام 2001. خلال بابويته قام البابا يوحنا بولس الثاني بزيارة وطنه تسع مرات. وفي كل زيارة كان يحرص على لقاء الشباب البولندي، والحديث إليهم من الشرفة البابوية الشهيرة بأبرشية كراكوف. وفي ساعاته الأخيرة، قبل أن يتنيح قداسته في 2 نيسان/أبريل عام 2005، وقبل أن ينطق بكلماته الأخيرة: «اسمحوا لي أن أغادر إلى بيت الآب»، خاطب الشباب هامساً: «كنت أبحث عنكم. وها أنتم تأتون الآن إليّ. ولذلك أشكركم».
القدّيس يوحنا بولس الثاني شفيع الشبيبة في كراكوف
في كراكوف – حيث الأبرشية التي خدم فيها القدّيس يوحنا بولس الثاني ككاهن، ثم كأسقف من عام 1958 حتى عام 1978 قبل أن يصبح بابا الكنيسة الكاثوليكية – تقام في الفترة من 26 إلى 31 تمّوز/يوليو 2016 فعاليات الأيام العالميّة الحادية والثلاثين للشبيبة. ومن المتوقع أن يصل عدد المشاركين من الشباب من جميع أنحاء العالم إلى حوالي مليوني نسمة يشاركهم بشفاعته، صديق الشباب، القدّيس يوحنا بولس الثاني. فقد أوضح قداسة البابا فرنسيس، في إعلانه للشباب في أحد الشعانين 13 نيسان/أبريل عام 2014، أن يوحنا بولس الثاني سيكون الشفيع الأكبر للأيام العالمية للشبيبة، مشيراً إليه: «في شركة القديسين، سيظل أباً وصديقاً للشباب».
شفاعة القدّيس يوحنا بولس الثاني تكون معنا، آمين
د. أشرف بنيامين
فكرة المقال مستوحاة من www.krakow2016.com