أصبح قرار القدّيس يوحنَّا بولس الثَّاني بنشر نصّ القسم الثالث من «سرّ فاتيما» واحدًا من أهم أحداث اليوبيل الكبير لعام 2000. وعِلمنا أن هذه الرؤيا النبوية أشارت إلى حد كبير إلى الأحداث الدرامية لمحاولة اغتيال الأب الأقدس في 13 أيار/مايو عام 1981.
الرؤيا النبوية
الرؤيا النبوية من القسم الثالث من «سرّ فاتيما» هي وحي رمزي يتعلّق بالاضطهادات الكبيرة ضدّ الكنيسة ومعاناة واستشهاد العديد من أتباع المسيح ومنهم أيضًا الكهنة والأساقفة وبابوات من القرن العشرين. الأضرار الجسيمة والاضطهاد قد سببها المستعبدون من قبل الإيديولوجيات الإلحادية، وخاصة الشيوعيّة، المتصارعة مع الله. وردت هذه الأحداث المأساوية في صورة رمزية: البابا والأساقفة والكهنة والرهبان والراهبات صاعدون إلى جبل وعر، وفي قمته كان ينتصب صليب كبير. في القسم الثالث من «سرّ فاتيما»، نقرأ: «قبل أن يصل الأب الأقدس مشى في وسط مدينة كبيرة، نصفها مدمّرة، وفيما كان يرتجف ويمشي بخطى مترجرجة، ويعاني من الألم والتعب، كان يصلّي من أجل نفوس الجثث التي كان يصادفها على طريقه. ولمّا وصل إلى قمّة الجبل، وسجد على ركبتيه عند أقدام الصليب الكبير، قتله رهط من الجنود أطلقوا عليه عدَّة طلقات من أسلحة ناريّة وأسهُم. وبالطريقة نفسها مات الواحد تلو الآخر – الأساقفة الآخرون والكهنة والرهبان والراهبات وكثيرون من العلمانيين، رجال ونساء، من مختلف فئات المجتمع (…)».
من وجهة نظر 88 عامًا التي تفصلنا عن ظهورات فاتيما، يمكننا أن نتعرّف، من خلال الرؤيا المذكورة في القسم الثالث من «سرّ فاتيما»، إلى الأحداث المأساوية في نهاية القرن. تسببت الأزمة الشديدة بإنكار الإيمان المسيحي في القرن العشرين المنصرم، إلى وصول الملحدين إلى السلطة، وجلبوا معهم الانحطاط الأخلاقي في المجتمع، وانهيار الثقافة، والعبودية الرهيبة التي تدوس على الحقوق الأساسية للإنسان، والإبادات الجماعية. في خلال هذا الوقت مرت الكنيسة بدرب صليب طويل. في محاولة لشرح «سرّ فاتيما» يقول الكاردينال راتزنغر (البابا بنديكت السادس عشر): «على درب صليب القرن العشرين، يقوم شخص البابا بدور خاص. وفي صعوده المزعج إلى الجبل، يمكننا ولا شكّ أن نجد ببابوات عدّة مجتمعين، شاركوا آلام هذا القرن، منذ بيوس العاشر حتى البابا الحالي، وبذلوا كل الجهد في السير قدمًا وسط تلك الآلام، على الدرب التي تقود إلى الصليب. وفي الرؤيا، يموت البابا أيضًا على درب الشهداء. وعندما طلب البابا، بعد الاعتداء عليه في 13 أيار/مايو 1981، أن يُحضر إليه نص القسم الثالث من “السرّ”، أما كان ينبغي أن يتعرّف فيه إلى مصيره الشخصيّ؟ وقد كان على حافة أبواب الموت، وهو نفسه شرح كيف نجا كما يلي: “هي يد أمّ قد وجّهت مسار الرصاصة، فأوقفت البابا المنازع على عتبة الموت”. أن تكون هنا يد أمّ قد غيّرت مسار الرصاصة، فهذا يبرهن مرّة أخرى أنه ليس هناك مصير محتوم، بل إن الإيمان والصلاة هما قوّتان يمكنهما إحداث تأثير في التاريخ، وفي النهاية، إن الصلاة هي أقوى من الرصاص، والإيمان أقوى من الانقسامات».
التهديد الحقيقي… هو رفض الله
القسم الثالث من «السرّ» يتعلق بإيماننا، لأنه يحكي عن النتائج التاريخية لأزمة الإيمان والأخلاق، أي عن عواقب وتبعات رفض رسالة فاتيما. لأن الدعوة إلى التوبة والعودة إلى الله الواردة في الرسالة لم تجد القبول الذي ينبغي عليه أن يكون، وبالتالي، نحن نشهد أن هذه النبوءة الحزينة تتحقق إلى حد كبير. إن تجلي القدّيسة مريم العذراء في فاتيما عام 1917 – إبان الحرب العالمية الأولى وفي بدايات ثورة أكتوبر في روسيا – قد ترك رسالة تحتوي على ثلاثة أمور مختلفة هدفها توعية كل الناس بأن الحياة بمعزل عن الله هي أعظم مأساة للإنسانية ولجميع الشعوب بل تشكل تهديدًا أعظم من الحرب النووية والكوارث المختلفة. في الواقع، في بدايات القرن العشرين ظهرت أزمة كبيرة في الإيمان. فوصل الملحدون – في أشكال المأسونية والشيوعية والفاشية – إلى السلطة، مما أدى إلى جرائم الإبادة الجماعية الأكبر في تاريخ البشرية. بسبب كراهيتهم للمسيحية قتل من المسيحيين في القرن العشرين أكثر مما قتل في القرون التسعة عشر الأولى بعد ميلاد المسيح. ينبغي علينا هنا أن نذكر الاضطهاد الدموي المأسويّ للكنيسة الكاثوليكية في المكسيك (1926-1930)، فقد قامت الحكومة الماسونية الملحدة، بدافع من الكراهية للمؤمنين، بقتل الآلاف من الكهنة والمؤمنين بسبب إيمانهم. وكان الوضع مشابهًا في إسبانيا (1936-1939)، فقد قتلت الحكومات الشيوعية والاشتراكية، بدافع من كراهية المسيح، 13 أسقفًا و4184 كاهنًا و2648 من الرهبان والراهبات إلى جانب عشرات الآلاف من المؤمنين العاديين. أضحت الكنيسة الكاثوليكية، بالنسبة للشيوعية والنازية الإلحادية، هي العدو الأكبر الذي يجب تدميرها. كان الهدف النهائي للماسونيين والشيوعيين والنازيين هو التدمير الكامل للمسيحية. ولذلك، تعرض رجال الدين والمؤمنون للتعذيب بوحشية لا مثيل لها وللقتل سواء في معسكرات الاعتقال السوفيتية أو في معسكرات الاعتقال النازية. يعلمنا التاريخ أنه كلما رفض الناس المسيح، والقيم التي أعطانا إياها، أدى هذا دائمًا إلى ظهور الأنظمة الشمولية، والإبادات الجماعية، وانهيار الثقافة والحريات والانحلال الأخلاقي في المجتمع، وبالتالي إلى خلق جحيم حقيقي على الأرض.
رسالة عذراء فاتيما تشير إلى أن أكبر تهديد للبشرية هو فقدان الضمير المُميّز بين الخير والشرّ، وفقدان الإيمان، ورفض الله وقوانينه، سواء من جانب الأكثر شيوعًا في الحياة العقلية وهي عدم الاعتراف بوجود الله، أو من جانب الإلحاد في صوره الشيوعية أو الفاشية أو الشيطانية، أو نشر إيديولوجيات «حركة العصر الجديد» (New Age). أزمة الإيمان في أوروبا تظهر في التراجع الأخلاقي الذي يترجم في عدم احترام قدسية الحياة، والقتل الجماعي للأجنة، والقتل الرحيم، والاختلاط الجنسي، ومنع الحمل، وانتشار الطلاق، وتعاطي المخدرات، وهلم جرا. رفض القيم المسيحية يؤدي دائمًا إلى ظهور السلطة الشمولية القاتلة، وفي نهاية المطاف إلى التدمير الذاتي. لهذا السبب، هناك خطورة كبيرة جدًا من قبل السياسيين الذين يدعمون الإجهاض، والقتل الرحيم، والمواد الإباحية، والنسبية الأخلاقية. وقد حذر الأب الأقدس: «بعد أن سقطت في دول كثيرة المذاهب السياسية والاجتماعية التي كانت تربط الشأن المدني بنظرة سلطوية للأمور، وفي الطليعة النظرية الماركسية، يبرز اليوم خطر لا يقلّ شأنًا، في رفض حقوق الشخص البشري الأساسية، وفي محاولة القيّمين على شأن اغتيال المطلب الديني الموجود في قلب كلّ إنسان: إنه خطر الحلف القائم بين الديمقراطية ومبدأ النسبية الأخلاقية التي تحرم التعايش الاجتماعي في كل علاقة بالشأن الخلقي وتعريه كليًّا من أي صلة له بالحقيقة. لأنه إن لم يكن ثمة حقيقة نهائية قاطعة تقود العمل السياسي وتضبطه، يغدو استغلال الأفكار والقناعات كوسيلة لاغتصاب السلطة سهل المنال. وإن نظامًا شعبيًا خاليًا من المبادئ يتحوّل بسهولة إلى استبدادية صريحة أو مستترة، والتاريخ شاهد على ذلك» (تألق الحقيقة، 101).
الدّينونة – الشرّ المطلق
في بداية أهم قسم من رسالة فاتيما (القسم الأول من السرّ) تقول والدة الإله أن النتيجة النهائية لرفض الإنسان لوجود الله هي جهنّم. رأى الأطفال (لوسيَّا وفرانسيسكو وجاسينتا) جهنّم المرعبة في رؤيا، ثم قالت والدة الإله لهم: «لقد رأيتم جهنّم حيث تذهب نفوس الخطاة المساكين. ولكي يخلّصها، يريد الله أن يقيم في العالم العبادة لقلبي البريء من الدنس. فإذا عمل الناس بما سأقوله لكم، تخلص نفوس كثيرة، ويكون السلام».
أشار القدّيس يوحنَّا بولس الثَّاني في عظته أثناء زيارته لمزار فاتيما في 13 أيار/مايو عام 1982 إلى رسالة السيدة العذراء، التي تريد فيها تحذيرنا وحمايتنا من الشرّ المطلق الذي يُحْدِق بنا ألا وهو جهنّم: «إن أكبر عقبة في طريق الإنسان نحو الله هي الخطيئة والبقاء في حالة الخطيئة وفي النهاية رفض الله – الرفض المتعمد لله في عالم الفكر الإنساني، وانفصال النشاط البشري على الأرض عنه. في الواقع، ليس هناك خلاص أبدي للإنسان إلا بالله. رفض الإنسان لله، إذا كان متعمدًا، يؤدي منطقيًا إلى رفض الله للإنسان (راجع متى 7: 23، 10: 33) وإلى الدّينونة. هل للأمّ التي ترغب في خلاص الجميع، بكل قوة المحبَّة التي يوقظها فيها الرُّوح الْقُدُس، أن تصمت على ما يقوض أسس خلاصهم؟ لا، إنها لا تستطيع. ولذلك، ولأن رسالة السيّدة العذراء في فاتيما هي رسالة أموميَّة، فهي قوية ولا لبس فيها. تبدو خطيرة وكأنها صرخة جديدة من يوحنّا المعمدان على ضفاف نهر الأردن. تدعو فيها إلى التوبة. تحذر. تدعو إلى الصلاة. توصى بالمسبحة الوردية. هذه الرسالة موجهة إلى كل إنسان.
ذكرت السيدة العذراء في فاتيما أن أكبر مأساة وبؤس للإنسان هي الخطيئة، والبقاء في حالة الخطيئة، الأمر الذي يؤدي تدريجيًا لإنكار الله نهائيًا، أي إلى جهنّم. أظهرت لنا سيدتنا، بعرضها رؤيا جهنّم المخيفة، أن العديد من النفوس ستذهب طواعية إلى اللعنة الأبدية إذا غرقت في عبودية الخطيئة، ورفضت الوصايا، وتوقفت عن الصلاة، وامتنعت عن ممارسة الأسرار المقدّسة، وأنكرت الإيمان بوجود الله. الجحيم الأبدي هو الواقع الذي يميل إليه الإنسان باستمرار إذا رفض الله، ورفض محبته ورحمته عائشًا حياته وكأن الله غير موجود. السرّ الأول من فاتيما يشير إلى إعلان الرَّحمة الإلهيَّة، والذي تجلى أمام القدّيسة فوستينا: «زرت بأمر من الله هاوية جهنّم (…)، حتى أستطيع أن أخبر النفوس وأشهد لوجوده. (…) هناك العديد من النفوس التي لم تؤمن بوجود جهنّم» (يوميّات القدّيسة فوستينا 741). الله «يُرِيدُ أَنَّ جَمِيعَ النَّاسِ يَخْلُصُونَ، وَإِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ يُقْبِلُون» (1تي 2: 4). ومع ذلك، يكتب القديس يوحنَّا بولس الثَّاني أن هناك الشرّ المطلق، وهو رفض الإنسان لله، أي الهلاك الأبديّ الذي هو نتيجة رفض الله للإنسان. ويسترسل يوحنَّا بولس الثَّاني: «هل يمكن أن يرتضي الله، الذي أحبّ الإنسان كثيرًا، أن يرذله هذا الإنسان، وأن يُعاقب على هذا بعذابات لا تنتهي؟ علمًا أن كلام يسوع لا لَبس فيه. فهو يتكلم، بوضوح، في إنجيل متى، عن أولئك الذين سيلقون عذابات أبدية (راجع متى 25: 46). مَن هم هؤلاء؟ تصمت الكنيسة ولا تأخذ موقفًا معيّنًا في هذا الشأن، فبين قداسة الله والضمير الإنساني سرّ لا يُفحَص. فصمت الكنيسة، إذًا، هو الموقف الوحيد الملائم للمسيحي (…). الله محبّة، ولكن أليست هذه عدالة سامية أيضًا: هل يمكن أن يقبل ببقاء الجرائم الأكثر هولاً وبشاعةً بلا عقاب؟ أليس العقاب الحازم ضروريًا، نوعًا ما، لكي يستقيم نوع من التوازن الأخلاقي في تاريخ البشريّة البالغ التعقيد؟ أليست جهنّم، إذا صحّ القول، “خشبة الخلاص” الأخيرة لضمير الإنسان الأخلاقي؟» (العُبور إلى الرَّجاء).
جهنّم هي النتيجة النهائية لرفض الإنسان لله. هي عملية تجري في الحياة الدنيا. كل خطيئة ترتكب عن علم وطواعية تعمق جذور الأنانية في الإنسان، وتدمر قدرته على المحبَّة. إذا كانت عبودية الشرّ كبيرة بحيث تدمر في الإنسان بالكامل القدرة على تلقي والرد على محبَّة المسيح، فمتى مات الإنسان على هذا الشكل فإنه بكراهية يرفض محبَّة الله المخلّصة. وهذه هي جهنّم. مثل هؤلاء الناس سيتم استبعادهم نهائيا من ملكوت الله. «لاَ تَضِلُّوا! اَللهُ لاَ يُشْمَخُ عَلَيْهِ. فَإِنَّ الَّذِي يَزْرَعُهُ الإِنْسَانُ إِيَّاهُ يَحْصُدُ أَيْضًا. لأَنَّ مَنْ يَزْرَعُ لِجَسَدِهِ فَمِنَ الْجَسَدِ يَحْصُدُ فَسَادًا، وَمَنْ يَزْرَعُ لِلرُّوحِ فَمِنَ الرُّوحِ يَحْصُدُ حَيَاةً أَبَدِيَّةً» (غل 6: 7-8). يحذر القدّيس بولس الرسول: «وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ، الَّتِي هِيَ: زِنىً عَهَارَةٌ نَجَاسَةٌ دَعَارَةٌ عِبَادَةُ الأَوْثَانِ سِحْرٌ عَدَاوَةٌ خِصَام غَيْرَةٌ سَخَطٌ تَحَزُّبٌ شِقَاقٌ بِدْعَةٌ حَسَدٌ قَتْلٌ سُكْرٌ بَطَرٌ، وَأَمْثَالُ هذِهِ الَّتِي أَسْبِقُ فَأَقُولُ لَكُمْ عَنْهَا كَمَا سَبَقْتُ فَقُلْتُ أَيْضًا: إِنَّ الَّذِينَ يَفْعَلُونَ مِثْلَ هذِهِ لاَ يَرِثُونَ مَلَكُوتَ اللهِ» (غل 5: 19-21). في يوم الدّينونة، سيعلن السيّد المسيح إدانته لهذا النوع من البشر: «اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلاَعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ الْمُعَدَّةِ لإِبْلِيسَ وَمَلاَئِكَتِهِ» (مت 25: 41). ذلك الموقف الذي ينغلق تمامًا عن محبَّة الله، يسميه الرَّب يسوع: التجديف على الرُّوح الْقُدُس. والسبب في عدم غفران هذه الخطيئة، أن الإنسان نفسه يرفض جذريا إمكانية التوبة (راجع متى 12: 31-33). بالتالي، فإن الجحيم الأبدي هو ثمرة وتتويج لحياة الإنسان الدنيوية الذي سقط طَوعِيًّا في عبودية الشر. ولهذا فإن الله المحب يحذرنا: «لا تَسعَوا إِلى المَوتِ بِتَضليلِ حَياتِكم ولا تَجلُبوا علَيكُمُ الهَلاكَ بِأَعْمال أَيديكم» (حك 1: 12). تقول القدّيسة فوستينا «إن الرَّحمة الإلهيَّة تلامس أحيانًا الخطاة في ساعاتهم الأخيرة بطريقة غريبة وسريّة. فيبدو لنا أن كل شيء قد ضاع، ولكنه ليس كذلك. فالرّوح تتحول إلى الله في ساعاتها الأخيرة مستنيرة بشعاع نعمة الله النهائية العظيمة، فتغمرها محبَّة الله القوية فتنال من الله في لحظة مغفرة الذنوب والنجاة من العقاب. آه، كم تفوق رحمة الله الإدراك. ولكن، يا للويل! فهناك أيضًا نفوس ترفض طَوعِيًّا وبملء إرادتها هذه النِّعمة وتحتقرها. على الرغم من أن الله الرحيم يعطي النفس في ساعة الإنسان الأخيرة لحظة وعي داخلية مشرقة، حتى تتمكن النفس، إن أرادت، العودة إلى الله. لكن تتحجر بعض النفوس في صلابة شديدة بحيث تختار بوعي الجحيم، فتُبطل مفعول جميع الصلوات التي تقدمها النفوس الأخرى إلى الله، بل وتُبطل جهد الله ذاته» (يوميّات القدّيسة فوستينا 1698).
القسم الثاني من «سرّ فاتيما»
تشير أمّ الله في القسم الثاني من «سرّ فاتيما» إلى أنجع وسيلة للخلاص من الجحيم. ألا وهي تكريس البشرية لقلب مريم البريء من الدنس وتلاوة المسبحة الوردية. ويوضح القدّيس يوحنَّا بولس الثَّاني أن «تكريس العالم لقلب مريم البريء من الدنس يمثل العودة إلى صليب ابنها. وهو ما يعني تكريسه لقلب الفادي المطعون، وإعادته مرة أخرى إلى مصدر الفداء. الفداء الذي سيبقى دائما أكبر من خطيئة الإنسان و”خطيئة العالم”. قوة الفداء هي أسمى ولا حدود لها من كل الشرور التي في الإنسان وفي العالم. التكريس لمريم يعني قبول مساعدتها في تقديم أنفسنا والبشرية جمعاء لمخلصنا الوحيد يسوع المسيح». فمن خلال والدة الإله نسلك الطريق الأكثر ثباتًا للإيمان والثقة التي لا حدود لها في ابنها يسوع المسيح، ليكون قادرًا على تحريرنا من عبودية الخطيئة برحمته اللامتناهية. يقول الرَّب يسوع للقدّيسة فوستينا: «أود أن تثق بيّ الخلائق. لا تخف النفس الضعيفة والخاطئة من الاقتراب مني، حتى لو كان ذنوبها أكثر من عدد رمال الأرض، ستغرق كلها في أعماق رحمتي اللامتناهية… لن تجد البشرية السلام ما لم تعود إلى نبع رحمتي» (يوميّات القدّيسة فوستينا 1059). قالت الأخت لوسيَّا أن والدة الإله كررت عليها ثلاث مرات: «إننا نقترب من نهاية الأيام». أهم الوسائل التي يمكن بها إنقاذ الجنس البشري هو تكريسه لقلب مريم البريء من الدنس وصلاة المسبحة الوردية. اشتكت السيّدة مريم العذراء أن كل ما تم تقديمه من الوسائل لم يتم حتى الآن قبوله من البشر، لذلك، فإنها تقدم الآن دموعها.
القراء الأعزاء! تطلب السيّدة العذراء من كل واحد منا الاشتراك في العمل لخلاص هذا العالم، لإنقاذ أنفسنا، وأحبائنا وأوطاننا والعالم. ولكننا نعلم أن محبَّة المسيح تستطيع التغلب على كل الشرور التي تثقلنا وتثقل البشرية جمعاء. لكن المسيح يحتاج إلى إذن منا حتى يكون قادرًا على العمل من خلالنا ويصل حبه لأقسى الخطاة. لذلك فنحن مدعوون إلى الاتحاد بقلب مريم البريء من الدنس ليعلمنا حياة الإيمان والثقة التي يمكن التعبير عنها في:
- التوبة عن الخطيئة والعيش وفقا للمبادئ الأخلاقية وتعاليم الكنيسة الكاثوليكية.
- صلاة المسبحة الوردية اليومية والتأمل في كلمات الكتاب المقدّس.
- تخصيص أيام الجمعة والسبت من أول كل شهر لتعويض قلب يسوع الأقدس وقلب مريم البريء من الدنس عن خطايانا وخطايا العالم.
- الاعتراف مرة شهريًا، واستقبال يسوع في القربان المقدّس كلما أمكن، والصوم على الخبز والماء في أيام الأربعاء والجمعة. تلبية طلبات والدة الإله سيدة فاتيما هو خلاص لنا جميعا ولأوطاننا وللعالم أجمع.